شارع وحي ومنزل ومتحف تروي حكايات أشهر عصابات النساء في الإسكندرية
بيت ريا وسكينة تحول إلى مزار لعشاق الإثارة وأخبار الجريمة
«عاش من شنق ريا، عاش من شنق سكينة، عاش من شنق حسب الله». بهذه العبارات استقبلت النساء خارج سجن الحضرة خبر تنفيذ حكم الاعدام في أشهر عصابة لعبت فيها المرأة دور البطولة الاولى من خلال شخصية ريا وسكينة، ورضي الرجل أن يلعب فيها الدور الثاني من خلال زوجيهما حسب الله وعبد العال والذين عاشوا في حي اللبان الواقع بين حي المنشية ومنطقة ميناء البصل بالاسكندرية. ولا يزال الحي حتي يومنا هذا ورغم مرور أكثر من 85 عاما على اعدام تلك العصابة التي سكنته، يحتفظ بذكرياته عن ريا وسكينة بدءا من حكايات العجائز من سكان الشارع، مرورا بالمنزل الذي بني مكان منزل ريا وسكينة بعد هدمه، انتهاء بصورهما التي جعلت من قسم شرطة الحي مزارا لعشاق الاثارة وأخبار الجريمة. بالطبع تغيرت بعض معالم الحي عن فترة العشرينات من القرن الماضي والتي شهدت جرائم ريا وسكينة. فتم نقل قسم شرطة اللبان الذي كان يطلق عليه وقتها اسم «كراكون اللبان» الى مكان آخر ليتحول موقعه الى باحة مزروعة ببعض الأشجار يقع خلفها منزل قديم مكون من طابق واحد ويميزه باب حديدي غلفه الصدأ. يعتقد الغرباء عن الحي بأنه المنزل الذي شهد جرائم ريا وسكينة وهو ما ينفيه شيوخ وعجائز الحي ومن أشهرهم الحاج مصطفى أقدم خياط بالمنطقة والذي قال لـ«الشرق الاوسط»: «لقد ظل منزل ريا وسكينة مهجورا لوقت طويل ولم يجرؤ أحد على السكن فيه بعد أن انتشرت الشائعات المؤكده بأنه مسكون بالأشباح. حتى كانت منتصف الخمسينات حين سكنه أحد الفتوات الذين أطلق الناس عليه اسم «محمود إبن ريا» لشهرته الواسعة في الاجرام وعدم قدرة الناس على مواجهته. فكان يدخل البيت ليلا ويبيت فيه وكنت أراه يخرج بقطع الرخام التي كانت تشكل أرضية المنزل ليبيعه. ونتيجة لذلك انهار المنزل عليه في أحد الايام وقمنا باخراجه ونقله الي المستشفى التي توفي فيها بعد الحادث بأيام قليلة». ويسترسل الحاج مصطفى في ذكرياته: «وظل المنزل كومة من التراب كان الناس يطلقون عليها إسم «الخرابة» حتي أوائل الستينات حيث تم بيع الأرض بمبلغ 60 جنيها وبني محله منزل من خمسة أدوار وهو المنزل الذي يحمل رقم 5 في شارع محمد يوسف فخر الذي كان اسمه في الماضي ماكوريس».
الشيخ محمود إبراهيم عوض كان أول من سكن المنزل الذي بني على أنقاض منزل ريا وسكينة وهو صاحب تجربة معه يقول عنها: «عندما حضرت للسكن في هذا المنزل كان عمري 24 سنة وكانت الناس ترفض السكن فيه لمعرفتهم بقصته حتى أن صاحب المنزل أكد لي عند مجيئي لتأجير الشقة أن عددا كبيرا من الرجال رفضوا السكن فيه وأن الناس تهرب منه. ولكنني وقتها كنت أبحث عن شقة كي أتزوج فيها وكان ما معي من نقود يكفي فقط لاستئجار شقة في ذلك المنزل».
ويضيف الشيخ محمود ضاحكا: «الطريف أنني عندما كنت أمر بجوار البيت وقت أن كان مجرد أعمدة بعد انهياره على محمود إبن ريا، كنت أتساءل من المجنون الذي يسكن هذا المنزل؟ ويشاء القدر أن أكون أنا وأتذكر أنه في بداية زواجي خاف أهل زوجتي على ابنتهم وطلبوا مني المبيت مع الأثاث لمدة أسبوع بمفردي ليروا ماذا سيحدث وبعدها وافقوا على إتمام الزفاف وقد عشت فيه لمدة 45 عاما لم أصادف فيها شبحا واحدا. الا أن أولادي ما زالوا يشعرون برهبة شديدة عند انقطاع الكهرباء أو سماع صوت غريب فيفكرون بسرعة في قصص الاشباح التي طالما رويت عن المكان».
يذكر أن حي اللبان يعتبر من الأحياء الشعبية الفقيرة والتي تمثل ظهيرا لمنطقة ميناء الاسكندرية وقد تكون بطريقة عشوائية في عهد محمد علي باشا. ويرجع مسمي اللبان الي أحد الشيوخ المتصوفين المعروفين وهو الشيخ شمس الدين محمد بن أحمد بن عبد المؤمن بن اللبان الأسعردي والذي ولد بدمشق عام 685 هـ، وتلقى علومه بالشام فتبنى المذهب الشافعي ثم حضر الإسكندرية التي عاش بها وكان أحد علمائها حتى توفي بها عام 749 هـ. وبشكل عام فقد اصطبغت المنطقة بالصبغة الصناعية والتجارية التي ما زالت تلتصق بها حتى يومنا هذا حيث توجد الورش والمخازن الخاصة بتجار الأخشاب وورش الحدادين. وعلى الرغم من ذلك الا ان طبيعة الحي العشوائية وسكانه الفقراء جعلته مرتعا للمجرمين وأوكار الرذيلة. وكان من أشهر هؤلاء ريا وسكينة اللتان عملتا في «الدلالة» وهي مهنة تمتهنها النساء في الاحياء الشعبية من خلال شراء أفضل الانواع من الاقمشة والعطور وأكسسوارات النساء وبيعها لهن في المنازل. الا ان ريا وسكينة اختلفتا عن غيرهما من الدلالات حيث كن يحضرن النساء الى منزلهن بدعوى ان المعروضات كثيرة ولا يستطعن السير بها والتنقل من منزل الى أخر. فكانت السيدات تذهب معهن عن طيب خاطر. ويؤكد العجائز من أهل الحي أن ريا كانت أجمل من سكينة وأكثر بياضا منها وكانت ممتلئة ذات شعر أسود طويل كنساء الهنود. وقد كانتا ترتديان الملابس والحلي الجميلة لإبهار الضحايا وإعطائهن الانطباع بالثراء وعدم الحاجة للمال. وعلى الرغم من أعداد الضحايا التي تؤكد محاضر الشرطة من أن عددها لا يقل عن 17، الا أن أحدا من سكان الحي لم يشك للحظة في ريا وشقيقتها وبخاصة أن المنزل كان مشهورا برائحة البخور التي كانت تنبعث منه وحفلات الزار التي كانت تقام فيه. وكان المنزل المواجه لمنزل ريا وسكينة تسكنه راقصات مصريات واجنبيات وكن يعملن في البارات ويعدن الى بيوتهن ليلا متزينات بالذهب ومن دون حماية ولهذا كن فرائس سهلة لريا وسكينة. وتبدأ الجريمة بعرض من أحد أفراد العصابة للراقصة لتوصيلها فتقبل وفي الطريق يدعوها لتناول الشراب والعشاء معهم فتدخل الفخ برغبتها. لتقتل ليلا وفي الصباح يتم بيع المصوغات. وتروي تفاصيل القبض علي هاتين السفاحتين أن الشرطة توصلت اليهما حين وقعت في ايديهما فتاة انجليزية كانت صديقة للكونستبل الانجليزي الذي كان مسؤولا عن قسم اللبان. وكان قد أهدي لها شال أحمر اللون كانت ترتديه عند الخروج. وفي أحد الايام وعندما كانت تشتري من أقمشة من أحد المحلات الكبرى قابلتها ريا وسكينة وتحدثوا معها عما لديهم من أقمشة جميلة وركبوا معها سيارتها الخاصة وكان لديها سائق اصطحبهم الى منزلهم المجاور للقسم حيث صعدت معهم وعندما تأخرت طرق باب المنزل ليسأل عنها فأنكروا وجودها. فنزل الى القسم ليبلغ عنهم حيث داهمت قوة من البوليس المنزل ووجدوها غائبة عن الوعي فتم انقاذها والقبض على العصابة الطريف وكما يحكي كبار الحي أنه عند افتضاح أمر العصابة والقبض عليها، التف الناس حول المنزل أثناء ترحيلهم في سيارة البوليس وأخذت النساء يطلقن الزغاريد لفرحتهن بالقبض على من أشعن الرعب في نفوسهن لفترة طويلة. فالتفتت ريا الى ضابط الشرطة الذي كان ممسكا بها قائلة «اتركني عليهم نصف ساعة لأنظف الدنيا منهن». ليس الشارع والمنزل فقط هما ما تبقيا من هاتين المرأتين. فقد حولت أوراق ملفات تلك القضية قسم شرطة اللبان متحفا علقت صورهم على جدرانه. فعند دخولك لردهة القسم تجد على يمينك لوحة كبيرة عليها صور لريا وسكينة وزوجيهما، يتوسطها اسم ريا وسكينة باللون الأحمر القاني وفي وسط الصورة تتدلى المقصلة وعلى جانبي اللوحة صور لبعض الجماجم. الى جانب صور فوتوغرافية للمجرمين الحقيقيين وأسماء الفنانين الذين قاموا بتجسيدها سواء في السينما أو المسرح. وفي احد البراويز المعلقة بالقسم يوجد حكم المحكمة والتقرير الطبي الخاص بريا وسكينة قبل الاعدام مباشرة والذي تم في الحادي والعشرين من ديسمبر عام 1921. كما يضم برواز آخر أسماء الضحايا السبعة عشر في المدة الواقعة من نوفمبر 1919 وحتى 12 نوفمبر 1920، وتظهر به صورة الضحية الثانية نظلة أبو الليل وآخر ضحية فردوس بنت عبد الله. الى جانب صور بعض جثث الضحايا شيء آخر يؤكده أهالي الحي وهو عدم وجود أي أبناء لريا وسكينة. مشيرين الى انه تمت اضافة الكثير من الاحداث والشائعات الى تلك القصة ومعظمها لم يحدث ومنها ما قيل عن وجود ابنة لريا اسمها بديعة وهوأمر لم يسمع به سكان الحي ولم يرووه عنهما